خطبة كاملة عن القدس مطبوعة ، ومقروءة pdf ، ونسخة word،أعزائي المتابعين نقدم لكم اليوم خطبة كاملة عن القدس وذلك خصوصا بعد الاحداث الأخيرة الدامية التي أصابت قدسنا العزيز نقدم لكم خطبة كاملة وشاملة عن القدس مستشهدة بالأحاديث النبوية والأيات القرآنية عن دورالقدس ومكانته في الأسلام..
الحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، محمد وآله وصحبه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن بهم اقتدى فاهتدى… (أما بعد)
فهذه هي الرسالة العاشرة من (رسائل ترشيد الصحوة) وهي تتحدث عن قضية في غاية الأهمية والخطورة علينا نحن العرب والمسلمين، حيثما كنا في أرض الله.
فالقدس في مهب الريح، في مواجهة الخطر الداهم، الخطر الصهيوني الذي بيت أمره، وحدد هدفه، وأحكم خطته، لابتلاع القدس، وتهويدها، وسلخها من جلدها العربي والإسلامي، وقد أعلن قراره ولم يخفه، وتحدى وتصدى وتعدى، ولم يجد من أمة الإسلام –على امتدادها واتساعها- من يصده ويرده، وقديما قالوا في الأمثال: قيل لفرعون: ما فرعنك؟ قال: لم أجد من يردني!
إننا في هذه الصحائف نريد أن ننبه الغافلين، أن نوقظ النائمين، أن نذكر الناسين، أن نشجع الخائفين، أن نثبت المترددين، أن نكشف الخائنين، أن نشد على أيدي المجاهدين، الذين رفضوا الاستسلام، وتحرروا من الوهن، وصمموا على أن يعيشوا أعزاء، أو يموتوا شهداء.
إن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها، وإنما هي لكل مسلم أيًا كان موقعه في مشرق الأرض أو مغربها، في شمالها أو جنوبها، حاكما كان أو محكوما، متعلما أو أميا، غنيا أو فقيرا، رجلا أو امرأة، كل على قدر مكنته واستطاعته.
فيا أمة الإسلام، هبوا، فقد جد الجد، ودقت ساعة الخطر، القدس، القدس، الأقصى، الأقصى.
{وقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}
وقد أثار اليهود في المدينة ضجة كبرى حول هذا التحول، ورد عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله، وهو الذي يحدد أيها يكون القبلة لمن يصلى له، {سيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قل: لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} إلى أن يقول:{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وما كان الله ليضيع إيمانكم}البقرة:142،143. فقد قالوا: إن صلاة المسلمين تلك السنوات قد ضاعت وأهدرت، لأنها لم تكن إلى قبلة صحيحة، فقال الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم، لأنها كانت صلاة إلى قبلة صحيحة مرضية عنده.
لقد نص القرآن على مبتدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء في أول آية في السورة التي حملت اسم هذه الرحلة (سورة الإسراء) فقال تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}الإسراء:1 . والآية لم تصف المسجد الحرام بأي صفة مع ماله من بركات وأمجاد، ولكنها وصفت المسجد الأقصى بهذا الوصف {الذي باركنا حوله}، وإذا كان ما حوله مباركًا، فمن باب أولى أن يكون هو مباركًا.
وقصة الإسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التي توحي بأهمية هذا المكان المبارك، الذي ربط فيه جبريل البراق، الدابة العجيبة التي كانت وسيلة الانتقال من مكة إلى القدس، وقد ربطها بالصخرة حتى يعود من الرحلة الأخرى، التي بدأت من القدس أو المسجد الأقصى إلى السموات العلا، إلى "سدرة المنتهى"، وقد أورث ذلك المسلمين من ذكريات الرحلة:الصخرة، وحائط البراق.
لو لم تكن القدس مقصودة في هذه الرحلة، لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة، ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمر مقصود، كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
ومن ثمرات رحلة الإسراء: الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه، وبعبارة أخرى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه، بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر، ومن فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر.
فالمساجد كلها متساوية في مثوبة من صلى فيها، ولا يجوز للمسلم أن يشد رحاله، بمعنى أن يعزم على السفر والارتحال للصلاة في أي مسجد كان، إلا للصلاة في هذه الثلاثة المتميزة. وقد جاء الحديث بصيغة الحصر، فلا يقاس عليها غيرها.
وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته، قبل بناء المسجد النبوي، وقبل الهجرة بسنوات، وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن، منها الحديث المذكور، والحديث الآخر: {الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، ما عدا المسجد الحرام، والمسجد النبوي}(متفق عليه) ومنها، ما رواه أبوذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي المساجد بُني في الأرض أول؟ قال:"المسجد الحرام"، قيل ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى".
والإسلام حين جعل المسجد الأقصى ثالث المسجدين العظيمين في الإسلام، وبالتالي أضاف القدس إلى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين: مكة والمدينة، إنما أراد بذلك أن يقرر مبدأ هاما من مبادئه، وهو أنه جاء ليبني لا ليهدم، وليتمم لا ليحطم، فالقدس كانت أرض النبوات، والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله.
أولها: في آية الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بأنه {الذي باركنا حوله}.
وثانيها: حين تحدث في قصة خليله إبراهيم، فقال:{ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}الأنبياء:71.
وثالثها: في قصة موسى، حيث قال عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده:{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا}الأعراف:137 .
ورابعها: في قصة سليمان وما سخر الله له من ملك لا ينبغي لأحد من بعده، ومنه تسخير الريح، وذلك في قوله تعالى:{ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها}الأنبياء:81 .
وخامسها: في قصة سبأ، وكيف منّ الله عليهم بالأمن والرغد، قال تعالى:{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأيامًا آمنين}18. فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين. قال المفسر الآلوسي: المراد بالقرى التي بورك فيها: قرى الشام، لكثرة أشجارها وثمارها، والتوسعة على أهلها. وعن ابن عباس: هي قرى بيت المقدس، وقال ابن عطية: إن إجماع المفسرين عليه .
وقد ذهب عدد من مفسري القرآن من علماء السلف والخلف في قوله تعالى:{والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الأمين}التين:1-3 إلى أن التين والزيتون يقصد بهما الأرض أو البلدة التي تنبت التين والزيتون، وهي بيت المقدس.
قال ابن كثير: قال بعض الأئمة: هذه محالّ ثلاثة بعث الله من كل واحد منها نبيًا مرسلاً من أولى العزم، أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محل التين والزيتون، وهو بيت المقدس، الذي بعث الله فيه عيسى ابن مريم عليهما السلام، والثاني: طور سيناء، الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنًا. وبهذا التفسير أو التأويل، تتناغم وتنسجم هذه الأقسام، فإذا كان البلد الأمين يشير إلى منبت الإسلام رسالة محمد، وطور سينين يشير إلى منبت اليهودية رسالة موسى، فإن التين والزيتون يشير إلى رسالة عيسى، الذي نشأ في جوار بيت المقدس، وقدم موعظته الشهيرة في جبل الزيتون .
وقد أعلم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء، أو يهددونها بالغزو والاحتلال، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها، والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط في أيدي الأعداء، ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط في أيديهم. كما أخبر عليه الصلاة والسلام بالمعركة المرتقبة بين المسلمين واليهود، وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم، وأن كل شيء سيكون في صف المسلمين حتى الحجر والشجر، وأن كلا منهما سينطق دالاً على أعدائهم، سواء كان نطقًا بلسان الحال أم بلسان المقال . وقد روى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم، إلا ما أصابهم من لأواء (أي أذى) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"، قالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" .
فهو موقف في غاية السوء والعداوة للدين الجديد، والنبي الجديد، رغم أنهم كانوا يبشرون قبل ذلك بنبي قد قرب زمانه، وكانوا يهددون جيرانهم من العرب ـ الأوس والخزرج ـ أنهم سيؤمنون به، وينضمون إليه، ويقتلونهم معه قتل عاد وإرم. ويبدو أنهم كانوا يظنونه من بني إسرائيل، فلما وجدوه من بني إسماعيل، منعهم البغي والحسد أن يؤمنوا به.
وجاء في ذلك قول الله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين. بئسما اشتروا به أنفسهم: أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينـزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين. وإذا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله، قالوا: نؤمن بما أنزل علينا، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم} البقرة: 89 ـ 101
ومع كفرهم برسالة محمد، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة، عاهدهم وأقام معهم اتفاقية تقوم على التعايش والتناصر معًا، وكتب معهم (الصحيفة) الشهيرة التي اعتبرها الكثيرون بمثابة (الدستور) الذي يحدد العلاقة بينهم وبين المسلمين. كما يحدد علاقة المسلمين بعضهم بعض.
ولكنهم سرعان ما غلبت عليهم طبيعتهم في نقض العهود، وتعدي الحدود، والكيد للرسول وأصحابه والانضمام إلى الوثنيين في حربهم للرسول، حتى تحالفت بنو قريظة مع المشركين المغيرين على المدينة، الذين أرادوا استئصال شأفة المسلمين، وإبادة خضرائهم.
وكان لا بد أن يقع الصدام بين الفريقين، الذي انتهى بجلاء بني قينقاع، وإجلاء بني النضير، وقتل مقاتلة بني قريظة، وقتال أهل خيبر.
ونزلت آيات القرآن في سور: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والحشر وغيرها، تندد بموقف اليهود وشدة عداوتهم للمسلمين، كما في قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} في حين تبين قرب مودة النصارى للمسلمين، حيث تقول الآية نفسها: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} المائدة: 82
ولهذا تجد الذين دخلوا في الإسلام من اليهود معدودين، نتيجة لتعصبهم وغرورهم وزعمهم أنهم شعب الله المختار، على حين دخلت شعوب كاملة من النصارى في الإسلام، مثل الشام ومصر وشمال أفريقية والأناضول وغيرها.
ثم كان من كيد اليهود للمسلمين بعد ذلك ما يحفظه التاريخ، وما ترك أثره العميق في أنفس المسلمين.
أما مبدأ (الأرض مقابل السلام) فهو مبدأ غريب حقًا، فرضه منطق القوة الغاشمة للعدو، لا غير. لأن الأرض أرضنا، لا أرضه، حتى يتفضل بتنازله عنها، مقابل سلامه!
وحتى هذا السلام الأعرج، رفضته إسرائيل في النهاية. فهي تريد أن تأخذ ولا تعطي شيئًا.
مقدمة خطبة عن القدس
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، محمد وآله وصحبه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن بهم اقتدى فاهتدى… (أما بعد)
فهذه هي الرسالة العاشرة من (رسائل ترشيد الصحوة) وهي تتحدث عن قضية في غاية الأهمية والخطورة علينا نحن العرب والمسلمين، حيثما كنا في أرض الله.
فالقدس في مهب الريح، في مواجهة الخطر الداهم، الخطر الصهيوني الذي بيت أمره، وحدد هدفه، وأحكم خطته، لابتلاع القدس، وتهويدها، وسلخها من جلدها العربي والإسلامي، وقد أعلن قراره ولم يخفه، وتحدى وتصدى وتعدى، ولم يجد من أمة الإسلام –على امتدادها واتساعها- من يصده ويرده، وقديما قالوا في الأمثال: قيل لفرعون: ما فرعنك؟ قال: لم أجد من يردني!
إننا في هذه الصحائف نريد أن ننبه الغافلين، أن نوقظ النائمين، أن نذكر الناسين، أن نشجع الخائفين، أن نثبت المترددين، أن نكشف الخائنين، أن نشد على أيدي المجاهدين، الذين رفضوا الاستسلام، وتحرروا من الوهن، وصمموا على أن يعيشوا أعزاء، أو يموتوا شهداء.
إن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها، وإنما هي لكل مسلم أيًا كان موقعه في مشرق الأرض أو مغربها، في شمالها أو جنوبها، حاكما كان أو محكوما، متعلما أو أميا، غنيا أو فقيرا، رجلا أو امرأة، كل على قدر مكنته واستطاعته.
فيا أمة الإسلام، هبوا، فقد جد الجد، ودقت ساعة الخطر، القدس، القدس، الأقصى، الأقصى.
{وقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}
خطبة عن القدس مصر
القدس في الاعتقاد الإسلامي، لها مكانة دينية مرموقة، اتفق على ذلك المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، فهو إجماع الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها. ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القدس، والغيرة عليها، والذود عن حماها، وحرماتها ومقدساتها، وبذل النفس والنفيس في سبيل حمايتها، ورد المعتدين عليها. وقد اختلف المسلمون، والعرب، والفلسطينيون في الموقف من قضية السلام مع إسرائيل، هل يجوز أو لا يجوز؟ وإن جاز، هل ينجح أو لا ينجح؟ ولكنهم جميعا –مسلمين وعربًا وفلسطينيين- لم يختلفوا حول عروبة القدس، وإسلاميتها، وضرورة بقائها عربية إسلامية، وفرضية مقاومة المحاولات الإسرائيلية المستميتة لتهويدها، وتغير معالمها، ومسخ شخصيتها التاريخية، ومحو مظاهر العروبة والإسلام والمسيحية منها. فللقدس قدسية إسلامية مقدورة، وهي تمثل في حس المسلمين ووعيهم الإسلامي: القبلة الأولى، وأرض الإسراء والمعراج، وثالث المدن المعظمة، وأرض النبوات والبركات، وأرض الرباط والجهاد كما سنبين ذلك فيما يلي:القدس: القبلة الأولى
أول ما تمثله القدس في حس المسلمين وفي وعيهم وفكرهم الديني، أنها (القبلة الأولى) التي ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتوجهون إليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة المحمدية، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، وظلوا يصلون إليها في مكة، وبعد هجرتهم إلى المدينة، ستة عشر شهرًا، حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، كما قال تعالى:{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}البقرة:150. وفي المدينة المنورة معلم أثري بارز يؤكد هذه القضية، وهو مسجد القبلتين، الذي صلى فيه المسلمون صلاة واحدة بعضها إلى القدس، وبعضها إلى مكة. وهو لا يزال قائمًا وقد جدد وتُعهد، وهو يزار إلى اليوم ويصلى فيه.وقد أثار اليهود في المدينة ضجة كبرى حول هذا التحول، ورد عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله، وهو الذي يحدد أيها يكون القبلة لمن يصلى له، {سيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قل: لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} إلى أن يقول:{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وما كان الله ليضيع إيمانكم}البقرة:142،143. فقد قالوا: إن صلاة المسلمين تلك السنوات قد ضاعت وأهدرت، لأنها لم تكن إلى قبلة صحيحة، فقال الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم، لأنها كانت صلاة إلى قبلة صحيحة مرضية عنده.
القدس أرض الإسراء والمعراج
وثاني ما تمثله القدس في الوعي الإسلامي: أن الله تعالى جعلها منتهى رحلة الإسراء الأرضية، ومبتدأ رحلة المعراج السماوية، فقد شاءت إرادة الله أن تبدأ هذه الرحلة الأرضية المحمدية الليلية المباركة من مكة ومن المسجد الحرام، حيث يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تنتهي عند المسجد الأقصى، ولم يكن هذا اعتباطًا ولا جزافا، بل كان ذلك بتدبير إلهي ولحكمة ربانية، وهي أن يلتقي خاتم الرسل والنبيين هناك بالرسل الكرام، ويصلي بهم إمامًا، وفي هذا إعلان عن انتقال القيادة الدينية للعالم من بني إسرائيل إلى أمة جديدة، ورسول جديد، وكتاب جديد: أمة عالمية، ورسول عالمي، وكتاب عالمي، كما قال تعالى:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}الأنبياء:104 ، {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا}الفرقان:1 .لقد نص القرآن على مبتدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء في أول آية في السورة التي حملت اسم هذه الرحلة (سورة الإسراء) فقال تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}الإسراء:1 . والآية لم تصف المسجد الحرام بأي صفة مع ماله من بركات وأمجاد، ولكنها وصفت المسجد الأقصى بهذا الوصف {الذي باركنا حوله}، وإذا كان ما حوله مباركًا، فمن باب أولى أن يكون هو مباركًا.
وقصة الإسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التي توحي بأهمية هذا المكان المبارك، الذي ربط فيه جبريل البراق، الدابة العجيبة التي كانت وسيلة الانتقال من مكة إلى القدس، وقد ربطها بالصخرة حتى يعود من الرحلة الأخرى، التي بدأت من القدس أو المسجد الأقصى إلى السموات العلا، إلى "سدرة المنتهى"، وقد أورث ذلك المسلمين من ذكريات الرحلة:الصخرة، وحائط البراق.
لو لم تكن القدس مقصودة في هذه الرحلة، لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة، ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمر مقصود، كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
ومن ثمرات رحلة الإسراء: الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه، وبعبارة أخرى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه، بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر، ومن فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر.
خطبة عن القدس السعودية
القدس ثالث المدن المعظمة
والقدس ثالث المدن المعظمة في الإسلام. فالمدينة الأولى في الإسلام هي مكة المكرمة، التي شرفها الله بالمسجد الحرام. والمدينة الثانية في الإسلام هي طيبة، أو المدينة المنورة، التي شرفها الله بالمسجد النبوي، والتي ضمت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. والمدينة الثالثة في الإسلام هي القدس أو بيت المقدس، والتي شرفها الله بالمسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله، وفي هذا صح الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا".فالمساجد كلها متساوية في مثوبة من صلى فيها، ولا يجوز للمسلم أن يشد رحاله، بمعنى أن يعزم على السفر والارتحال للصلاة في أي مسجد كان، إلا للصلاة في هذه الثلاثة المتميزة. وقد جاء الحديث بصيغة الحصر، فلا يقاس عليها غيرها.
وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته، قبل بناء المسجد النبوي، وقبل الهجرة بسنوات، وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن، منها الحديث المذكور، والحديث الآخر: {الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، ما عدا المسجد الحرام، والمسجد النبوي}(متفق عليه) ومنها، ما رواه أبوذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي المساجد بُني في الأرض أول؟ قال:"المسجد الحرام"، قيل ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى".
والإسلام حين جعل المسجد الأقصى ثالث المسجدين العظيمين في الإسلام، وبالتالي أضاف القدس إلى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين: مكة والمدينة، إنما أراد بذلك أن يقرر مبدأ هاما من مبادئه، وهو أنه جاء ليبني لا ليهدم، وليتمم لا ليحطم، فالقدس كانت أرض النبوات، والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله.
القدس أرض النبوات والبركات
والقدس جزء من أرض فلسطين، بل هي غرة جبينها، وواسطة عقدها، ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة في خمسة مواضع في كتابه.أولها: في آية الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بأنه {الذي باركنا حوله}.
وثانيها: حين تحدث في قصة خليله إبراهيم، فقال:{ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}الأنبياء:71.
وثالثها: في قصة موسى، حيث قال عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده:{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا}الأعراف:137 .
ورابعها: في قصة سليمان وما سخر الله له من ملك لا ينبغي لأحد من بعده، ومنه تسخير الريح، وذلك في قوله تعالى:{ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها}الأنبياء:81 .
وخامسها: في قصة سبأ، وكيف منّ الله عليهم بالأمن والرغد، قال تعالى:{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأيامًا آمنين}18. فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين. قال المفسر الآلوسي: المراد بالقرى التي بورك فيها: قرى الشام، لكثرة أشجارها وثمارها، والتوسعة على أهلها. وعن ابن عباس: هي قرى بيت المقدس، وقال ابن عطية: إن إجماع المفسرين عليه .
وقد ذهب عدد من مفسري القرآن من علماء السلف والخلف في قوله تعالى:{والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الأمين}التين:1-3 إلى أن التين والزيتون يقصد بهما الأرض أو البلدة التي تنبت التين والزيتون، وهي بيت المقدس.
قال ابن كثير: قال بعض الأئمة: هذه محالّ ثلاثة بعث الله من كل واحد منها نبيًا مرسلاً من أولى العزم، أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محل التين والزيتون، وهو بيت المقدس، الذي بعث الله فيه عيسى ابن مريم عليهما السلام، والثاني: طور سيناء، الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنًا. وبهذا التفسير أو التأويل، تتناغم وتنسجم هذه الأقسام، فإذا كان البلد الأمين يشير إلى منبت الإسلام رسالة محمد، وطور سينين يشير إلى منبت اليهودية رسالة موسى، فإن التين والزيتون يشير إلى رسالة عيسى، الذي نشأ في جوار بيت المقدس، وقدم موعظته الشهيرة في جبل الزيتون .
خطبة عن القدس الكويت
أرض الرباط والجهاد
والقدس عند المسلمين هي أرض الرباط والجهاد. فقد كان حديث القرآن عن المسجد الأقصى، وحديث الرسول عن فضل الصلاة فيه، من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام، وستكون للمسلمين، وسيشدون الرحال إلى مسجدها، مصلين لله متعبدين. وقد فتحت القدس –التي كانت تسمى إيلياء- في عهد الخليفة الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب، واشترط بطريركها الأكبر صفرونيوس ألا يسلم مفاتيح المدينة إلا للخليفة نفسه، لا لأحد من قواده، وقد جاء عمر من المدينة إلى القدس في رحلة تاريخية مثيرة، وتسلم مفاتيح المدينة، وعقد مع أهلها من النصارى معاهدة أو اتفاقية معروفة في التاريخ بإسم "العهد العمري" أو "العهدة العمرية" أمنهم فيها على معابدهم وعقائدهم وشعائرهم وأنفسهم وأموالهم، وشهد على هذه الوثيقة عدد من قادة المسلمين، أمثال: خالد بن الوليد، وعبدالرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان .وقد أعلم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء، أو يهددونها بالغزو والاحتلال، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها، والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط في أيدي الأعداء، ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط في أيديهم. كما أخبر عليه الصلاة والسلام بالمعركة المرتقبة بين المسلمين واليهود، وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم، وأن كل شيء سيكون في صف المسلمين حتى الحجر والشجر، وأن كلا منهما سينطق دالاً على أعدائهم، سواء كان نطقًا بلسان الحال أم بلسان المقال . وقد روى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم، إلا ما أصابهم من لأواء (أي أذى) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"، قالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" .
سوء موقف اليهود من دعوة الإسلام
سوء موقف اليهود من دعوة الإسلام، ومن رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام. كما يتجلّى ذلك في موقف يهود المدينة: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.فهو موقف في غاية السوء والعداوة للدين الجديد، والنبي الجديد، رغم أنهم كانوا يبشرون قبل ذلك بنبي قد قرب زمانه، وكانوا يهددون جيرانهم من العرب ـ الأوس والخزرج ـ أنهم سيؤمنون به، وينضمون إليه، ويقتلونهم معه قتل عاد وإرم. ويبدو أنهم كانوا يظنونه من بني إسرائيل، فلما وجدوه من بني إسماعيل، منعهم البغي والحسد أن يؤمنوا به.
وجاء في ذلك قول الله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين. بئسما اشتروا به أنفسهم: أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينـزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين. وإذا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله، قالوا: نؤمن بما أنزل علينا، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم} البقرة: 89 ـ 101
ومع كفرهم برسالة محمد، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة، عاهدهم وأقام معهم اتفاقية تقوم على التعايش والتناصر معًا، وكتب معهم (الصحيفة) الشهيرة التي اعتبرها الكثيرون بمثابة (الدستور) الذي يحدد العلاقة بينهم وبين المسلمين. كما يحدد علاقة المسلمين بعضهم بعض.
ولكنهم سرعان ما غلبت عليهم طبيعتهم في نقض العهود، وتعدي الحدود، والكيد للرسول وأصحابه والانضمام إلى الوثنيين في حربهم للرسول، حتى تحالفت بنو قريظة مع المشركين المغيرين على المدينة، الذين أرادوا استئصال شأفة المسلمين، وإبادة خضرائهم.
وكان لا بد أن يقع الصدام بين الفريقين، الذي انتهى بجلاء بني قينقاع، وإجلاء بني النضير، وقتل مقاتلة بني قريظة، وقتال أهل خيبر.
ونزلت آيات القرآن في سور: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والحشر وغيرها، تندد بموقف اليهود وشدة عداوتهم للمسلمين، كما في قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} في حين تبين قرب مودة النصارى للمسلمين، حيث تقول الآية نفسها: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} المائدة: 82
ولهذا تجد الذين دخلوا في الإسلام من اليهود معدودين، نتيجة لتعصبهم وغرورهم وزعمهم أنهم شعب الله المختار، على حين دخلت شعوب كاملة من النصارى في الإسلام، مثل الشام ومصر وشمال أفريقية والأناضول وغيرها.
ثم كان من كيد اليهود للمسلمين بعد ذلك ما يحفظه التاريخ، وما ترك أثره العميق في أنفس المسلمين.
السبب الحقيقي لمعركتنا مع اليهود
والواقع أن المعركة بدأت بيننا وبين اليهود، بسبب واحد لا شريك له، وهو: أنهم اغتصبوا أرضنا ـ أرض الإسلام، أرض فلسطين ـ وشردوا أهلنا، أهل الدار الأصليين، وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار، والعنف والدم . . تكلم السيف فاسكت أيها القلم! وستظل المعركة قائمة بيننا وبينهم ما دامت الأسباب قائمة، وسيظل الصلح مرفوضًا إذا كان مبنيًا على الأعتراف بأن لهم حقًا فيما اغتصبوه من الأرض، إذ لا يملك أحد أن يتنازل عن الأرض الإسلامية، إنما يمكن إقامة هدنة بيننا وبين إسرائيل، لفترة من الزمن، تقصر أو تطول، يكف فيها الطرفان عن الحرب، ويسود فيها الأمن، وتتبادل بعض العلاقات مع بعض.أما مبدأ (الأرض مقابل السلام) فهو مبدأ غريب حقًا، فرضه منطق القوة الغاشمة للعدو، لا غير. لأن الأرض أرضنا، لا أرضه، حتى يتفضل بتنازله عنها، مقابل سلامه!
وحتى هذا السلام الأعرج، رفضته إسرائيل في النهاية. فهي تريد أن تأخذ ولا تعطي شيئًا.
خطبة عن القدس الامارات
لا حق لليهود في القدس ولا في فلسطين:
ونؤكد هنا بما لا يدع مجالاً للشك: أن القدس عربية إسلامية، كما أن فلسطين كلها عربية إسلامية، وليس لليهود فيها أي حق، حتى يسلبوها من أهلها، ويحولوها إلى عاصمة لدولتهم القائمة على الاغتصاب والعدوان.
إن اليهود يزعمون أن لهم حقًا تاريخيًا، وحقًا دينيًا في فلسطين، والواقع أنهم مغتصبون لأرض غيرهم، وليس لهم أدنى حق في هذه الأرض، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية الدينية. كما سنبين ذلك فيما يلي.
وقبل أن ندخل في مناقشة الحق المزعوم لليهود في فلسطين تود أن تسألهم: لماذا لم يظهر هذا الحق طوال القرون الماضية؟ بل لماذا لم يظهر في أول الأمر عند ظهور الصهيونية السياسية المنظمة على يد (هرتزل)؟ فمن المعروف أن فلسطين لم تكن هي المرشحة لتكون الوطن القومي لليهود. بل رشحت عدة أقطار في أفريقيا وأمريكا الشمالية كذلك ولم تظهر فكرة فلسطين - باعتبارها أرض الميعاد - إلا بعد فترة من الزمن.
الحق التاريخي للقدس
من المعروف تاريخيًا: أن أول من بني القدس هم "اليبوسيون" وهم قبيلة من قبائل العرب القدامى، نزحت من شبه الجزيرة العربية مع الكنعانيين، وذلك منذ نحو ثلاثين قرنًا قبل الميلاد، وكانت تسمى "أورشالم" أو مدينة "شالم"، وهو إله اليبوسيين، كما احتفظت باسمها الأول "يبوس" نسبة إلى القبيلة، وقد ورد ذكر هذا الاسم في التوراة.
وبعد ذلك سكن القدس وسكن فلسطين عامة: العرب الكنعانيون وغيرهم قرونًا وقرونًا، إلى أن جاءها إبراهيم عليه السلام مهاجرًا من وطنه الأصلي بالعراق، غريبًا، وقد دخل فلسطين هو وزوجه سارة، وعمره ـ كما تقول أسفار العهد القديم ـ (75) سنة.
ولما بلغ (100) سنة ولد له إسحاق ، ومات إبراهيم وعمره (175) سنة، ولم يمتلك شبرًا من فلسطين، حتى إن زوجه سارة لما ماتت طلب من الفلسطينيين لها قبرًا تدفن فيه.
ولما بلغ إسحاق (60) سنة ولد له يعقوب، ومات إسحاق وعمره (180) سنة، ولم يملك شبرًا أيضًا منها.
ارتحل يعقوب بذريته بعد أبيه إلى مصر، ومات بها وعمره (147) سنة، وكان عدد بنيه وأولادهم (70) نفسًا لما دخلها، وكان عمره (130) سنة .
ومعنى هذا أن المدة التي عاشها إبراهيم وابنه إسحاق، وحفيده يعقوب في فلسطين: (230) سنة، وقد كانوا فيها غرباء لا يملكون من أرضها ذراعًا ولا شبرًا.
وتقول التوراة: إن المدة التي عاشها بنو إسرائيل بمصر حتى أخرجهم موسى: (430) سنة ، كانوا أيضًا غرباء لا يملكون شيئًا، كما تقول التوراة: إن المدة التي عاشها موسى وبنو إسرائيل في التيه بسيناء (40) سنة، أي ان العهد الذي صدر إليهم من الله مضى عليه حينذاك (700) سبعمائة سنة، وهم لا يملكون في فلسطين شيئًا.
ومات موسى ولم يدخل أرض فلسطين، إنما دخل شرقي الأردن ومات بها والذي دخلها بعده: يشوع (يوشع)، ومات بعد ما أباد أهلها (كما تقول التوراة). وقسم الأرض على أسباط بني إسرائيل، ولم يقُم لبني إسرائيل ملك ولا مملكة، وإنما قام بعده قضاة حكموهم (200) سنة، ثم جاء بعد القضاة حكم الملوك: شاؤول وداود وسليمان، فحكموا (100) سنة، بل اقل، وهذه هي مدة دولتهم، والفترة الذهبية لهم. وبعد سليمان انقسمت مملكته بين أولاده: يهوذا في أورشليم، وإسرائيل في شكيم (نابلس)، وكانت الحرب بينهما ضروسًا لا تتوقف، حتى جاء الغزو البابلي فمحقهما محقًا، دمر الهيكل وأرشليم، وأحرق التوراة، وسبى كل من بقي منهم حيًا، كما هو معلوم من التاريخ.
ويعلق على ذلك الشيخ عبد المعز عبد الستار في كتابه (اقترب الوعد الحق يا إسرائيل) قائلاً:
(فلو جمعت كل السنوات التي عاشوها في فلسطين غزاة مخرّبين، ما بلغت المدة التي قضاها الإنجليز في الهند أو الهولنديون في إندونيسيا! فلو كان لمثل هذه المدة حق تاريخي لكان للإنجليز والهولنديين أن يطالبوا به مثلهم.
ولو كانت الأرض تملك بطول الإقامة في زمن الغربة، لكان الأولى بهم أن يطالبوا بملكية مصر التي عاشوا فيها (430) سنة بدل فلسطين التي عاش فيها إبراهيم وأولاده (200) سنة أو تزيد قليلاً ودخلوها شخصين وخرجوا (70) نفسًا!
لكن هؤلاء اليهود لا يدعون الحق في امتلاك أرض فلسطين وحدها، وإنما يدعون الحق في امتلاك الكرة الأرضية كلها.
الله تعالى يقول: {والأرض وضعها للأنام} الرحمن: 10 أي لجميع الخلق، وهؤلاء يقولون: ( حين قسم العلي الأمم وفرق بني آدم وضع تخوم الأرض على عدد أسباط بني إسرائيل) ، ويقولون كما جاء في سفر يشوع : (كل موضع تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم)، فعلى مقتضى هذا المبدأ والقانون يكون من حقهم أن يطالبوا بمصر وكل أرض وطئوها.
بل في نكبة (5 يونيو 1967) سأل مندوب الأسوشيتدبرس جنديًا إسرائيليًا: ما هي حدود دولة إسرائيل؟ فأجابه بكل صلف وغرور: (حيث أضع قدمي)، وضرب بحذائه الأرض
إن الحق التاريخي الذي يدعونه ـ كما يقول الشيخ عبد المعز ـ خرافة وصلافة، فهم لم يقيموا في فلسطين إلا غرباء، كما تصرح بذلك الأسفار، فهل للغريب أو عابر السبيل أن يدعي ملكية الأرض التي أقلته، أو الشجرة التي أظلته، لأنه قال تحتها ساعة من نهار؟ على أنهم لم يقيموا بها آمنين عاملين مستثمرين، وإنما أقاموا في سلسلة متصلة من الغارات الدامية، والحروب الدائرة التي لم تتوقف فيما بينهم بعضهم وبعض " يهوذا وإسرائيل"، وفيما بينهم وبين الفلسطينيين.
وقد بلغ عدد من قتلوا من الفلسطينيين مائتي ألف قتيل ، وعدد من قتلهم داود وحده بعد ذلك أكثر من (100) ألف قتيل ، ـ حسب قول كتبهم ـ ثم دهاهم الغزو البابلي فبددهم.
على أنهم لم يكادوا ينفكون من الغزو البابلي، حتى جاءهم الغزو الروماني فأباد خضراءهم ومزقهم كل ممزق، ثم جاء الفتح الإسلامي وهم مشردون في الأرض، محّرمٌ عليهم أن يقيموا في أورشليم، حتى إن البطريك صفرنيوس بطريرك القدس شرط على أمير المؤمنين عمر وهو يسلمه مفاتيح القدس؛ ألا يسمح لليهود بدخول إيليا أو الإقامة فيها.
لقد دخلها العرب وهي خالية من اليهود، بعد ما طردهم الرومان، وأسلم أهلها، وبقي العرب فيها أكثر من ألف وأربعمائة عام، أفلا يكون لهم حق تاريخي مثل اليهود؟
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق